ميلاف تاج الدين في ربيعها العشرين، فتاة سمراء شعرها سوداء عيونها بنية،رقيقة طولها متوسط، على الدوام الإبتسامة على وجهها، تقوم منذ عمر الرابعة أعمل مع والدي في صناعة الأدوية بالأعشاب لمعالجة الجلد، تعلمت من صناعتها في البيت وبمفردها منذ العاشرة من عمرها، " في طفولتي كنت أصنع بعض الأدوية مع والدي، وبعد ذلك تعلمت صناعة نصف الأدوية". كان والد ميلاف يعمل كمهندس زراعي،عاش فترة من الزمن في الإتحاد السوفياتي وتعلم صناعة الأدوية بالأعشاب فيها، ولكنه عندما عاد إلى كوردستان لم يتمكن من صناعتها خوفاً من نظام البعث، نقل مهارته إلى زوجته وابنته ميلاف وأحد أولاده.
تحدثت ميلاف لنا عن عشقها لصناعة الأدوية بالأعشاب رغم قضائها وقت كثير في ذلك، ولكن في بعض الأحيان يساعدها والدتها وشقيقها، " في أغلب الأحيان أقوم بنفسي بصناعة الأدوية، وبكمية كافية لفترة طويلة، ولكن بسبب تعلقي بالدراسة أستعين بمساعدة والدتي وشقيقي".
بحسب كلام ميلاف هناك الكثير من الأطباء يعترفون بمهارتها بسبب إرسالهم المرضى لها بهدف العلاج " تمكنت من الحصول على ذلك الثقة بعد والدي، بسبب شفاء المرضى بتلك الأدوية" لاحظنا من خلال كلامها ثقتها بنفسها وإفتخارها بوالدها الذي ترك لها هذا المهنة الجيدة.
لم تتحدث ميلاف عن كيفية صناعة الأدوية، بل قالت أن المكون الرئيسي لصناعة أدويتها التي تعالج امراض الجلد مثل "الحروق والتحسس والحبوب" هو الأعشاب المختلفة، كما وصفت لنا تلك الأدوية ذات الألوان المختلفة، تستعين ميلاف بحديقة المنزل لزراعة الأعشاب وتقوم بمنحها للناس بالمجان.
يعود تاريخ إستخدام الأدوية المصنوعة من الأعشاب إلى بداية ظهور الإنسان، لمعالجة الأمراض والإستمتاع بها، حيث إستخدمه الصينيون القدماء وحضارة بلاد مابين النهرين بـ 2800 عاماً قبل الميلاد، كان الصينيون يهتمون بشكل كبير بالمعالجة عن طريق الادوية المستخرجة من الأعشاب، وبعدهم إهتم الرومانيون والإغريق بتلك المعالجة.
بسبب موقع كوردستان الجبلي وإنتشار الأعشاب فيها، إهتم شعبها منذ القدم بالمعالجة من الأمراض عن طريق الأعشاب، فيسموها " الأدوية الكوردية " حيث كان ذلك الأشخاص الذين يقوم بالصناعة أطباء وعلماء "حكماء" وحصلوا على ثقة الناس بشكل كبير.
" سركوت محمد " صاحب أحد محلات بيع الأدوية المصنوعة من الأعشاب في هولير، منذ سنين فتح محله، تحدث لنا بأن أدويته تصنع في إقليم كوردستان، وقسم أخر منه يستورد من الدول العالمية مثل (تركيا، سوريا، كندا، لبنان والصين) يقول:" يستخرج أدويتنا فقط من الأعشاب الطبيعية".
أما حول زيارة المرضى لهم قال:" هناك عدد كبير من المراجعين الذين يزورون محلي"، ثم أضاف:" نملك أدوية لعلاج الكثير من الأمراض، ولكن أغلب المراجعين من المرضة الجلديين".
يعمل صيدليات الأدوية المستخرجة من الأعشاب في كوردستان بعد الحصول على رخصة قانونية، حول ذلك يقول ذلك البائع:" فتحتوا صيدليتي بعد الحصول على رخصة قانونية"، أما حول كيفية تعلمه صناعة تلك الادوية قال:" تعلمت صناعتها بعد المشاركة في عدد من الدورات التدريبية".
المرضى الذين يقومون بزيارة ميلاف منحوها ثقة مطلقة بعد إستخدام تلك الأدوية والشفاء من أمراضهم الجلدية، " سالار " (45 عاماً) إحدى تلك المرضى التي أشفين بشكل كامل على يد والدها بعد حرق جسدها، تقول:" كان وجهي محترق بشكل كامل، ولكن بعد استخدام الأدوية المصنوعة على يد والد ميلاف لمدة شهرين فقط، أشفيت ولم يبقى للحروق أثر على بشرتي".
أما " جيار " (42 عاماً) التي كانت مصابة بمرض جلدي بعد قيامها بزيارة الكثير من المرضى الجلديين، لم تشفى إلا بعد سماعها بأدوية ميلاف عن طريق صديقاتها، تقول:" عند زيارتي لميلاف كنت فاقدة للأمل بالعلاج، ولكن بعد إستخدامي لأدويتها عاد بشرتي إلى طبيعتها".
هناك الكثير من النساء اللواتي لديهن المهارات في مجتمع كوردستان، إلى جانب الرجل كان لهن اليد في الحضارة والتطور على مر العصور، رغم عمرها الصغير تمكنت ميلاف في مجال صناعة الادوية من تحدي الرجال.
في النهاية تحدث ميلاف عن رغبتها في البداية بدراسة كلية الطب، ولكن بسبب درجات ذلك القسم العالية تنازلت عن رغبتها، كما أوضحت إنها تستمتع في معالجتها للمرضى.
.